Movie review score
5



الجميع يتحدثون عن الشرق، ولا أحد يهتم به فعلياً، بما في ذلك الشرق نفسه. نظرة واحدة إلي قوائم الكتب المترجمة في مصر تثبت وجود هذه المشكلة: غالبية الكتب مترجمة عن لغات أوروبية، والكتب المترجمة عن اللغات الشرقية هي في الغالبية الساحقة أعمال كلاسيكية. كأن الشعوب الآسيوية لم تعد تكتب مثلا. المشاكل متعددة: قلة الكتب، قلة المترجمين، عدم حماس دور النشر، عدم اهتمام القراء. يبدو أننا _ في مصر التي نزهو بكونها مجتمعا شرقيا حين يتعلق الأمر بكبت الحريات _ نعامل الشرق باعتباره منطقة أدني. يبدو أننا مستشرقون.

هذه المشكلة تتخذ أبعادا أخري حينما يتعلق الأمر بأدبين شرقيين بالتحديد، العبري والتركي. العبري بسبب حساسية الوضع السياسي لإسرائيل، وارتباط هذه الترجمة بفكرة "اعرف عدوك". والتركي بسبب وجود مترجمين عرب عن التركية، وبسبب وجود أدباء تركيين معاصرين استطاعوا "الوصول للعالمية"، مثل باموق وأليف شفق وغيرهما، وبسبب النظر إلي تركيا بوصفها دولة "شبه أوروبية" أيضا. المشكلة الأساسية تتعلق بالأدب الفارسي والهندي والباكستاني.
اضطر المترجم أيمن بدر _ الذي تخرج في قسم اللغة العربية ودرس اللغة الفارسية في إطارها_ لإنشاء مدونة/ مجلة نصف شهرية بعنوان "إيران خان" عن الثقافة الفارسية. تعرّف المدونة نفسها باعتبارها "مجلة نصف شهرية تحتوي علي ترجمات حصرية للأدب الإيراني ومقالات للتعريف بالثقافة الفارسية في شتي صورها: الفن والموسيقي والسينما". نشر فيها الشاعر قصائد للشاعرة فروغ فرخزاد، وسيمين بهبهاني، وغيرهما، قام بترجمتهما عن الفارسية، كما نشر دراسة عن "صورة المرأة في النثر الفارسي المعاصر" كتبتها مهشيد أمير شاهي، وقامت بترجمتها عن الإنجليزية أميرة طلعت.
 > > >
من جانبه يحدد بدر أزمة الترجمة عن الفارسية في الآتي: "قلة المصادر هي المشكلة الأكبر، أمهات الكتب فقط هي الموجودة، المثنوي لجلال الدين الرومي وكتب حافظ الشيرازي فقط، ولكن إذا أردت البحث عن ديوان لفروغ فروخزاد مثلا فلن تجده إلا في أقسام اللغات الشرقية بالجامعة. أنا بوصفي غير أكاديمي لن يمكنني الحصول عليه، يضاف إلي هذا سوء العلاقات السياسية بين مصر وإيران، مما ينتج عنه عدم وجود سفارة إيرانية في مصر، وهو يتسبب في عدم تطور العلاقات الثقافية بين البلدين، اللتين يفترض أنهما قريبان من بعضهما البعض أصلا".
بعد تجاوز مشكلة المصادر، يتحدث بدر عن الترجمة في حد ذاتها. المركز القومي للترجمة ترجم حوالي عشرين كتابا عن الفارسية، وأغلبها كتب من الأدب الكلاسيكي، وإن كان هذا لا ينفي وجود الأدب المعاصر، تمت ترجمة جلال آل أحمد وإسماعيل فصيح وبرزك علوي، ولكن الأغلبية للكلاسيكيات. يشير بدر إلي مجموعة من العرب أصدروا مجلة باسم "شيراز" تم تخصيصها لترجمة الأدب الفارسي إلي العربية. المجموعة تكونت من محمد الأمين وعمار كاظم وهما عراقيان وسمير أرشيدي وهو كويتي. الطريف، والمثير للتساؤل في نفس الوقت، أن المجلة لم تكن تصدر في أية دولة عربية، وإنما في إيران نفسها.
قد يكون هذا بسبب عدم إقبال المترجمين علي الأدب، بالمقارنة بالكتب السياسية، بسبب احتياج ترجمة الأدب إلي مهارات من نوع خاص. كما يضيف بدر مشكلة أخري: "فأغلب المترجمين هم أساتذة جامعة، ليس هناك فكرة المترجم غير الأكاديمي، ربما يكون ذلك بسبب خوف خريجي أقسام اللغات الشرقية من العمل بالترجمة، لطبيعتها كنشاط غير مربح."
أحمد القاضي، أستاذ اللغة الأردية بكلية اللغات والترجمة، ومترجم كتاب "العلاقات العربية الهندية" بالمركز القومي للترجمة. أشار إلي أزمة عدم وجود مترجمين أكفاء في اللغات الشرقية بشكل عام، وإلي حداثة تخصص المعرفة بلغات شبه القارة الهندية في مصر والعالم العربي عموماً، وأضاف أن هناك مشكلة أساسية أيضا وهي عدم حماس دور النشر للترجمة عن اللغات الشرقية، فالترويج لهذا المجال يكاد يكون معدوما في مقابل اللغات الأوروبية، وهذا لأن الشعوب الشرقية بطبيعة الحال، يضيف القاضي، تميل للغرب.
وبسبب عدم "ربحية" هذا المجال، فنشر القصص، كما يضيف هو أسهل وأقل تكلفة، لأن المجموعة القصصية في الغالب يكون حجمها صغيرا. في المركز القومي للترجمة مثلا تمت ترجمة أكثر من عشر مجموعات قصصية عن الأردية في مقابل رواية واحدة للأديب بريم تشان بعنوان "القربان."
وهناك آلية الاختيار أيضاً: ليس هناك لجنة في المجلس الأعلي للثقافة لاختيار الأعمال المترجمة من المتخصصين، برغم من وجود أربعة أساتذة كبار في هذا المجال، وأتموا دراساتهم في الهند وباكستان، علي أي أساس إذن تتم الاختيارات؟ يضيف القاضي أن اختيارات الترجمة تخضع للأهواء.
المترجم عن الأردية، هاني السعيد، فشل في ترجمة مختارات من الشعر الأردي في الصحف، فلجأ إلي شبكة الإنترنت. نشر في موقع "دروب" وموقع "شبكة واتا للمترجمين العرب"، كما قام بترجمة رباعيات صلاح جاهين إلي الأردية، وبالإضافة لهذا، قام بترجمة كتب "من الباطن"، كأن ينشر أستاذ كبير ترجمة لكتاب عن الأردية ويستعين به مقابل مبلغ مالي، مع عدم وضع اسمه علي الغلاف!!
مشكلة المصادر أساسية أيضا بالنسبة لهاني، وهي مصادر نادرة إذا تمت مقارنتها بمصادر الترجمات عن الإنجليزية أو الأوروبية. كما أن ندرة المترجمين المحترفين _ غير الأكاديميين _ هي مشكلة أخري، يلاحظ هاني مثلا أن إصدارات المركز القومي للترجمة عن الأدب الأردي أغلبها كان فصولا وملحقات لرسائل ماجستير ودكتوراه أعدها باحثون شباب، وعندما تم افتتاح المشروع القومي للترجمة وأصبحت هناك إمكانية لنشرها قاموا بنشرها في كتب. مما يعني أنها ترجمة أكاديمية ويفسر الطابع المدرسي الجاف لأغلب الترجمات عن اللغة الأردية. هذا يتعلق أيضا بآلية اختيار النصوص في المركز القومي للترجمة، يضيف هاني أنه ليست هناك معايير واضحة لرفض الترجمة أو القبول بها.
وتتعلق بالترجمة مشكلة الاسم، فالمترجم عن الإنجليزية يترجم في أحيان كثيرة لاسم معروف، وقد يكون حائزا علي جائزة كبيرة مثل نوبل أو البوكر أو غيرها، أما فيما يتعلق بالأدب الهندي فيضطر المترجم لتعريف القراّء بالكاتب من البداية: "الناس هنا مثلا لا يعرفون نون ميم راشد، وهو من أهم شعراء الحداثة بعد محمد إقبال، ولا يعرفون ميراجي أو فيظ. وبالتالي تزداد المهمة صعوبة".
المترجم السوري ثائر ديب والذي عمل علي ترجمة إدوارد سعيد وهومي بابا للعربية، أي أن جزءا من اهتماماته الأساسية في الترجمة هي ما بعد الاستعمار، ومع هذا فهو يترجم عن الإنجليزية. يقول بأن "الأعمدة الأساسية لهذا الفرع مثل سعيد وبابا وجايتريا سبيفاك وأغلب مفكري دراسات التابع، هم كتاب من مناطق مختلفة بالعالم، عربا وهنودا، ولكنهم يكتبون بالإنجليزية، لأن تكوينهم الدراسي فرض هذا عليهم، ولكن الآن ثمة وعي متزايد بضرورة أن يكتب المفكرين دراساتهم ما بعد الاستعمارية بلغاتهم الأصلية، حتي ولو تم تكوينهم بالإنجليزية."
> > >
يضيف ديب أن ميزان الترجمة في العالم العربي مختل كثيرا لصالح اللغات الأوروبية وخاصة الإنجليزية والفرنسية، وهذا بسبب تاريخ طويل من الاستعمار القديم والجديد، وهو ما يولد نوعا من المركزية في الترجمة وبنفس الوقت فهو يبعدنا كثيرا عن الترجمة لشعوب أخري، ولكن اللافت الآن، كما يضيف، أن ثمة وعياً متجدداً بهذا الأمر ووعي المشكلة هو بداية حلها، حيث بدأ يبرز مترجمون عن لغات لم يسبق ان ترجمت أعمالها الفكرية والأدبية للعربية." يدلل ديب علي هذا بأنه في المركز القومي بالقاهرة تمت الترجمة عن حوالي خمس وثلاثين لغة منها ما لم يسبق ترجمة أعمالها للعربية، في سوريا تم افتتاح أقسام جديدة لدراسة الآداب اليابانية والصينية، صحيح أنها لم تسفر عن ترجمات حتي الآن بسبب حداثة التخصص ولكن ستسفر عنها قريبا، والترجمات من الفارسية هي أمر شائع في سوريا بسبب تاريخ طويل من العلاقات بينها وبين إيران، كما مرت فترة كانت الترجمة عن الروسية ذات وزن. الآن قل هذا الأمر بعد انهيار الإتحاد السوفييتي."

نائل الطوخىأخبار الأدب العدد 8724-4-2010

3 Responses so far.

  1. لفت نظري جدا اسم الأستاذ أحمد القاضي أستاذ اللغة الأردية .. وهو اسم مطابق لإسمي تماما .. فيالها من مصادفة طريفة

    لكن الموضوع في حد ذاته موفق تماما فيما يطرحه من مشكلات .. فالإهتمام بترجمة أدبيات الشرق المختلفة يعد من الأمور المهجورة بدون سبب واضح بينما نحن في أمس الحاجة إليها .. فتبادل الثقافات والهموم والحلول بها من الفوائد الكثير .. لكننا دائما ننظر تحت أرجلنا فقط

  2. Unknown says:

    بعيداً عن الشكاوي و ما شابهها ، لي تعليق ، في مجمله بسيط.سبق و أن طالعت مدونة "هكذا تحدث كوهين" ، و كان لي ثمة تساؤل ، و إن بدا غريباً ، عن مغزى الترجمة من الأدب العبري إلى لغة الضاد. كان الهدف هو ترشيد هكذا اتجاه ، لا يثمر عن شيئ سوى الكراهية لمنتجه.

    أما عن الترجمة بشكل عام ، فهناك فارق جم. فليس ثمة نشاط ابداعي أرقى من الكتابة ، سوى الترجمة ، بكل ما لها و ما عليها. فهي الجسر بين ضفتي النهر. و هي الشعر و قد تجسد في صورة نثر ، و هي أيضاً بذور التبر.

    لكن ما نجده في بلاد العُرْب ، لا يساوي ما قد نجد في الغرب. بل يكاد يصير الدرب ، بما له و بما عليه ، عسيراً حتى تضل المشارب ، و يستحيل الوصول إلى المضارب . و لكم أود العثور على المزيد من التراجم في صورة بسيطة واضحة ، لكنني أعلم جيداً أن أهل مكة أدرى بشعابها ، و كذلك لكل شيخ طريقة. فعساي أترجم النصوص التي بين يدي بدلاً من الاكتفاء بقراءتها ، و ليس هذا -أو ذاك - بيسير عليّ . و لتذهب افتكاسات القذافي إلى الجحيم

  3. الموضوع جاااااامد جدااااااا لكم مني اجمل تحيه